السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

مرحبا بالجميع في مساحتي الحره


الثلاثاء، 10 يونيو 2008

واسدل الستار

كان مشهدها كلوحةٍ حزينةٍ خانقةً
عبث بها البؤس صارخاً في خطوطها وألوانها
في كل تفاصيل جسدها و ملامحها

كان مشهدها في عيناي مرعباً
وبائساً بما يكفي لأن ترويّ لي بصمتٍ أنهُ انسل من حياتها
بذات البساطة التي تسلل إليها

وكان هذا لقائنا الأول
منذ أن أتتني قبل سنواتٍ لتبوح لي بسرها
وحدثتني عنهُ بلهفةٍ .. وكأنها كانت تـُبشرني بذلك الرجل الذي أسكنها طيبة قلبهِ
وأرض حنانه وضمها بجناحي قلبه إلى أسراب الحمائم المهاجرة إلى مملكة الحب

كانت حينها تريد أن تبوح لي أنها عاشقة .. ولا شيء غير البوح
كما لو كان بيدها أن تصرخ بأعلى صوتها لتعلن للعالم أنها عاشقة .. ثملة ٌ بحبه

فلم تكن حينها تستجدي مني الرأي والنصح
بل استشاطت غضباً .. حين تعجبتُ لرفضها العرسان من أجل شاب بدأ للتو
يصارع الحياة وما زال الطريق أمامهُ طويلٌ وشاق
وأسهبت تـُحدثني عن الحب
ولذيذ لهيبه الذي صهر الطبقات وأذاب الفوارق بينهما
حدثتني عنه وعنها
وكأي محبين ذابت أرواحهما وامتزجت
وتوحدّت كروح شهيد تسمو بفردوس الحب عن الدنايا والسفاسف
- فماذا يعني يا صديقتي أن أسكن أنا القصور .. ويسكن هوّ وأمه وأخواته تلك الشقة الصغيرة ؟
وماذا يعني أن أواصل أنا دراستي الجامعية .. ويكتفي هوّ بدراسته المتوسطة ؟

- فكل هذا لا يعنيني بشيء يا صديقتي
فطوفان الحب أزال كل تلك العوائق والفوارق
ليتكِ تعلمين يا صديقتي
وليت أهلي يعلمون .!

***

سألتـُها عن حالها .. وما إذا كانت قد تزوجت أو بعد ؟
وكأنها لم تمضي سنوات على لقائنا الأخير
وكأن ذلك المشهد فات للتو .. لنكمل ذلك الحديث الذي كنا قد بدأناه

إغرورقت عيناها
وسابقت الدموع مرارة كلماتها وهي تروي لي بقية تفاصيل الراوية
وبدأت تروي لي كيف أنها جاهدت لأجله .. وأرادت أن تفترش لهُ السجاد الأحمر في طريقهِ إلى قصرها
وأرادته أن يطلب يدها .. ويدخل بيت أهلها شامخاً بكبرياءٍ سماوي
وألحت عليه أن يكمل دراسته في لندن
وحجزت لروحها مقعداً في الطائرة بجانبه
وسافر إلى هناك ترافقهُ روحها .. تحرسهُ وترعاه
وتركت جسدها في مدينة ( جدة ) يتوق لعودته
تتأملهُ عائداً كالفرسان حاملاً بيدهِ راية المجد .. لتفاخر بهِ أهلها وتفاخر بهِ العالم كُله

مضى شهران يداعبها الحُلم ُالجميل لحظة ً بلحظة
وتتواصل معهُ كل يوم .. تحرضهُ على المثابرة .. وتدفعهُ بكلمات الثناء والتشجيع
وكان ذلك قبل أن تفقد كل وسيلة تواصل بينها وبينه
وقبل أن تـُفتضح وتكتشف أختها أمرها .. لتعقبها بعد ذلك بالتهديد والوعيد
بأن تفضحها إن هي لم تكُف عن حماقاتها وتبتعد عنه
وتطوي ذكراه كصفحة سوداء في حياتها

تكابلت عليها الأيام بأحداثها المتسارعة .. وما عادت تدري كيف لها أن تتصرف
إلى أن ارتمت بثقل همهما وحيرتها على ابنة عمها
ومنحتها تمام الثقة .. وأوصتها بأن تبلغهُ بما أستجد من أحداث
وأن لا يحاول الاتصال بها حتى تزول تلك العاصفة

ليطول ويطول بعدها انتظارها .. وهي تحاول في كل لحظةٍ أي اتصال منه أو حتى رسالة
وحاولت مراراً الاتصال بهاتفه الذي كان مغلقاًً على الدوام
ولم تجد بعدها بداً من الاتصال بوالدته وأهله ..
والذين أخبروها بدورهم أن اتصالاته شحت كثيراً في الفترة الأخيرة
وتمنوا عليها أن لا تزعجه .. وكأنهم يريدون أن ينهوها هم أيضاً من حياة أبنهم

تاهت بعدها في دهاليز ذل الحيرة والسؤال
وتمكن منها الوهن وأرقدها المرض على سرير المستشفى
لترأف بحالها ابنة عمها .. وتبوح لها عن ما أخفته عنها طوال الفترة الماضية
وأنها طعنتها في ظهرها بخنجر مسموم .. ولم تكن أهلاً للأمانة
فلم تكتفي بتجاهل إيصال الرسالة إليه .. بل تعدت ذلك بأن كذبت عليه وعليها
وأبلغته بأنها أفاقت أخيراً من غفلتها .. وأنها لم تعد تراه ذلك الرجل المناسب
ورجته أن ينساها .. وينسحب من حياتها بسلام

استشاطت غضباً .. وانهالت على ابنة عمها بكل أصناف الشتائم
وصرخت بكل ما تحمله من ألم في وجهها
- لماذا قتلتني ؟ لماذا قتلتني ؟
- أكنتِ تريدينهُ لنفسك أيتها ....

حاولت بعدها بكل الطرق أن تصل إليه
ولم تترك وسيلة تواصل إلا استنفذتها ..
ولم تتوانى عن السؤال حتى أهله الذي بدئوا يظهرون له البغض ويلحون عليه بالابتعاد عن أبنهم ..
ووصف زواجهم بالفشل المحتوم

ورغم ذلك لم تيأس أبداً .. واستمرت تحاول وتحاول ...!
إلى أن عادت إليها الحياة بأن بدأ هاتفه يستجيب
فصرخت بكل ما فيها من ألم – حبيبي أين أنت ؟
وانفجرت باكية ً بحرقةٍ ومرارة .. قبل أن يرد على سؤالها بكل برود
ويحدثها بلكنته الإنجليزية وكأنهُ يتباهى بما وصل إليه .!
واقفل الهاتف قاطعاً عليها توسلها بأن تشرح لهُ ما نالها من ظلم و غدر ابنة عمها

توسلت بعدها لابنة عمها أن تصلح ما أفسدته .. وأن تتصل بهِ وتبلغهُ بالحقيقة
وكانت الفاجعة أن أبلغها برسالة أنهُ يتفهم الأمر .. وأنه قد غفر لها ما وشت بهِ كذباً .!

وحتى إلى هذه اللحظات العاصفة .. كانت تأهة ًغارقة ً في دوامة الضياع
ولم يرد في حسبانها أي سبب أخر غير أنه لم يفق بعد من تلك الصدمة التي تسببت بها ابنة عمها
ولم يخطر ببالها أن يتناسها بعد عهد الوفاء الذي قطعاه على أنفسهما
وبعد ذلك الحب وكل ما قدمتهُ له من تضحيات بأن يتناساها وينقض الوعود ويبدل حبها بحب امرأةٍ أخرى .!

إلى أن طعنها في قلبها .. قتلها
وأصابها اتصال منه في مقتل .. حين طلب منها أن إقناع أهله بأنهُ راغب بالهجرة والعيش في لندن

كانت كلمة الهجرة كافية ً لإسكات نبضات قلبها للحظات
قبل أن ترتجف شفاها بإعادة ما ورد على مسامعها – الهجرة .؟!
وأنا ؟ وحبنا ؟ وتضحياتي لك أما من ثمن لها في حساباتك ؟!

أسدل بعدها الستار .. منهياً فصولاً من الأمل الواهم والألم .!
وأخبرها أنهُ وجد حياتهُ هناك .. في لندن .!
حيث ينتظرهُ هناك المستقبل الواعد
وتنتظره ليزا وأبنها ذو الستةِ أعوام
فهي تـُحبه وأبنها يُحبه أيضاً ومتعلقٌ بهِ كوالده
وهو يبادلهما نفس الحب كما أخبرها .!
حاول أن يدئها من هول الصدمة بعد أن صعقها
وأخبرها أنهُ كان يفكر بها في بداية حبهِ لليزا وابنها
غير أن تلك الوشاية الكاذبة من ابنة عمها جعلته يتناسها ويتعلق بحب امرأة غيرها

ليُتبعها بعدها برجائها والتوسل إليها
أن تساعده في إقناع أهله بالهجرة .!!
قبل أن تغلق الهاتف وهو في أوج رجائهِ وتوسلاته
مات
لقد مات اطيب قلب
تكومت على نفسها
تبكي حبها الضائع
وسنوات عمرها التي رحلت بلاعوده
**
وبعد اسبوعين رحل
الى حيث ليزا وابنها
وتركها جسدا بلاروح

ليست هناك تعليقات: